علياء أحمد
يحتوي الدستور والتشريعات السورية على نصوص عديدة تلحق الظلم بالمرأة وتجعلها غير متساوية مع الرجل. ورغم تعديل الدستور بعد بدء الحركة الاحتجاجية في سوريا، إلا أن هذا التعديل التشريعي لم يلغِ النصوص التمييزية، لا في الدستور ذاته ولا في النصوص القانونية المختلفة.
يبدأ التمييز ضد المرأة من اللغة المستخدمة في صياغة البند المتعلق بشروط اختيار رئيس الجمهورية في الدستور، حيث تشترط الفقرة الرابعة من هذه المادة على الرئيس “أن لا يكون متزوجاً من غير سوريّة.” تشير هذه الصياغة ضمناً إلى أن الرئيس يجب أن يكون رجلاً.
ولكن التمييز ضد المرأة السورية موجود في تشريعات تحكم حياتها اليومية وليس فقط طموحاتها بترأس البلاد.
سيناقش البحث التالي ثلاثة مواضيع إشكالية تؤثر على حياة المرأة في سوريا، ويتوجب على المشرعين أن يتصدوا لها في المستقبل، وهي جرائم الشرف، والاغتصاب الزوجي، وحق المرأة بمنح الجنسية لأطفالها.
1- جرائم الشرف:
تنص المادة 548 من قانون العقوبات على أنه: “يستفيد من العذر المخفف من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر فأقدم على قتلها أو إيذائها أو على قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد على أن لا تقل العقوبة عن الحبس مدة سنتين في القتل”.
وقد أضيفت عقوبة الحبس لمدة سنتين إلى نص القانون العام 2009 في محاولة للتشدد إزاء جرائم الشرف، بعد أن كان يتم إخلاء سبيل مرتكبها من دون أي عقاب. ليس هناك من دراسات دقيقة تظهر إذا ما كانت هذه العقوبة – وهي تبقى منخفضة جداً مقارنة مع عقوبة جرائم القتل الأخرى – قد نجحت أو فشلت في الحد من جرائم الشرف. إلا أن وزارة الداخلية نفسها أعلنت في شهر تشرين الثاني/نوفمبر العام 2011 عن إحصائية أعدتها، وتفيد أن سوريا حلت ثالثة على صعيد الدول العربية بعد فلسطين واليمن من حيث عدد جرائم الشرف المرتكبة على أراضيها في العام 2010.
بالإضافة إلى وجود عوامل ثقافية معقدة تحكم هذه الممارسة، إلا أن التهاون إزاء جرائم الشرف قد يكون وراء استسهال قتل الفتاة لمجرد الشبهة بقيامها بعلاقة جنسية غير شرعية.
فقد أظهرت دراسة أجراها الباحثان بسام محمد وهواش الصالح في حمص أنّ ربع جرائم القتل المرتكبة في مدينة حمص في العامين 2007 و2008 ارتكبت بذريعة الشرف، وأن القاتل كان في أكثر من 70 بالمئة من تلك الجرائم هو أحد أخوة الفتاة الذي لم يبلغ الثامنة عشرة. وجدير بالذكر أن الدراسة أوضحت أن الفحص الطبي الشرعي لم يجد دليلاً على الاتصال الجنسي بنسبة 72,2 بالمئة من الحالات، ما يشير إلى أن القتل كان يتم لمجرد الشبهة، أو بسبب مخالفة المرأة لأعراف الأسرة وتقاليد مجتمعها.
وقد أشار تقرير صادر عن منظمة “هيومان رايتس واتش” أن الخوف من تعرض الفتيات للقتل من قبل عائلاتهن قد يكون وراء امتناعهن عن التبليغ عن جرائم الإغتصاب، التي بدأت تنتشر منذ بداية الأحداث الحالية في سوريا. وقد يؤدي ذلك إلى هروب مرتكبي هذه الجرائم من العدالة بعد انتهاء النزاع.
2- الاغتصاب الزوجي:
الحديث عن جرائم الشرف يقودنا إلى جريمة الاغتصاب، فالمادة 508 من قانون العقوبات تعطي المغتصب حق الاستفادة من العذر المخفف في حال الزواج من ضحيّته التي اغتصبها، على ألا تقل العقوبة عن السجن سنتين.
يتم عادة تزويج المرأة المغتصبة لمغتصبها كمحاولة لحماية شرف المرأة، وهو يعد طريقة يصحح بها المعتدي خطأه. يؤدي هذا الأمر عملياً إلى السماح للمغتصب بتكرار فعلته مع المرأة نفسها بعد أن تصبح زوجته، خصوصاً أن قانون العقوبات لا يعتبر اغتصاب الزوجات جريمة. ويعرَّف الاغتصاب في المادة 489 من قانون العقوبات كالتالي: “من أكره غير زوجه بالعنف أو بالتهديد على الجماع عوقب بالأشغال الشاقة خمس عشرة سنة على الأقل”. هذا ما تدعمه المادة 490 التي تنص على التالي: “يعاقب بالأشغال الشاقة تسع سنوات من جامع شخصاً غير زوجه لا تستطيع المقاومة بسبب نقص جسدي أو نفسي أو بسبب ما استعمل من ضروب الخداع.”
يعني ذلك ضمناً أن مجامعة الزوجة بأي نوع من أنواع الخداع والغش أو استغلال ضعف جسدي أو نفسي، وكذلك إكراهها، لا يشكل أي اغتصاباً. ويضاف ذلك إلى غياب نص قانوني صريح يعاقب الزوج على ضرب زوجته.
3- حق المرأة بمنح الجنسية لأطفالها:
حدد المشرّع السوري شروط اكتساب الجنسية العربية السورية، وفقاً لقانون الجنسية الصادر العام 1969 بالمرسوم التشريعي 276، حسب:
- حق الدم: حق الفرد الذي يولد من أب يتمتع بجنسية سورية باكتساب جنسية هذه الدولة بمجرد ميلاده.
- حق الإقليم: من يولد على الأرض السورية يكتسب جنسيتها بشرط ألا يثبت نسبه إلى أبيه في تاريخ الميلاد، وهذا يشمل عملياً مجهولي الأب والأم.
- حق الدم والإقليم: يعتبر عربياً سورياً حكماً من ولد من أم عربية سورية ولم تثبت نسبته إلى أبيه، وهذا يعني الأولاد مجهولي الأب من أم سورية.
بينما تُمنح الجنسية للأطفال مجهولي الأب، وهو أمر إيجابي، يتم حرمان النساء السوريات المتزوجات من رجل غير سوري من الحق في منح الجنسية لأطفالهن، وهو يعيق حصول الأطفال الذي يولدون من أب غير سوري عن التمتع بحقوق أساسية، كالحق في التعليم والعمل والإقامة غير المشروطة.
التصدي لهذه النواقص التشريعية يجب أن يكون على قائمة أولويات أي سلطة جديدة، لا سيما وأن سوريا، التي انضمت العام 2003 إلى “اتفاقية مناهضة جميع أشكال التمييز ضد المرأة” التي تنظمها الأمم المتحدة والمعروفة بـ”سيداو”، قد تحفظت على أهم موادها وهي:
المادة الثانية، والتي تتعلق بالجهود المبذولة للقضاء على التمييز ضد المرأة في القوانين والتشريعات.
المادة التاسعة، وتتعلق بحق المساواة بين المرأة والرجل فيما خص منح الجنسية للأطفال.
المادة السادسة عشرة، وتتعلق بحق المساواة بكافة الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات العائلية.
يجب أن تعمل أي سلطة مستقبلية على رفع هذه التحفظات لكي تتحق حماية المرأة بشكل ملموس.





تعليق واحد